مقال من جريدة الصحراء المغربية
شيع أمس الاثنين بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء جثمان الراحلة رجاء بلمليح، التي وافاها الأجل، بعد ظهر أول أمس الأحد، عن عمر يناهز 45 عاما، وبعث صاحب الجلالة الملك محمد السادس ببرقية تعزية ومواساة إلى أفراد أسرة الفنانة المقتدرة.
بهذه المناسبة الأليمة، التي 'فقدت فيها أسرتكم درتها النفيسة، مثلما فقد فيها المغرب واحدة من ألمع مبدعاته طربا وثقافة، وأشجاهن صوتا، وأحبهن إلى قلوب الجماهير فنا وأصالة وأخلاقا وتألقا على مستوى الوطن العربي'، كما جاء في برقية التعزية الملكية.
وكانت الحالة الصحية للراحلة تدهورت في الآونة الأخيرة بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان، ما استدعى نقلها إلى مستشفى الشيخ زايد بالرباط، حيث أسلمت روحها لباريها، وهي تلهج باسم ابنها 'عمر'، الذي لا يتجاوز عمره خمس سنوات.
كان عمر يملأ على رجاء كل حياتها، كانت تحبه بلا حدود، إذ كانت الراحلة تعتز كثيرا بأمومتها، وتدافع عن استقرارها الأسري، وعبرت عن ذلك في العديد من لقاءاتها الصحفية قائلة 'لو أدركت أن نجاحي سيكون على حساب بيتي وأمومتي، سأختار عائلتي من دون تردد، ولكنني أعطي كل شيء حقه، للفن وقته، ولعائلتي وقتها، كما أن علاقتي بابني عمر جميلة جدا، ويرافقني دائما، ولا يمكن أن أترك تربيته لأحد غيري، فهو كنزي في هذه الحياة'.
وقال الشاعر الغنائي عبد الغفار بنشقرون، وكيل أعمال الراحلة وصديق العائلة، في اتصال بـ 'المغربية'، إن رجاء بلمليح ظلت متشبثة بالحياة إلى آخر لحظة، ولم يفارق اسم ابنها عمر شفتيها، أملا في عناقه الأخير، لكن القدر كان أقوى منها، إذ كانت العائلة تحمل ابنها عمر من الدارالبيضاء في اتجاه الرباط، لرؤية والدته، لكن نبأ وفاتها وصل قبل وصول عمر إلى مستشفى الشيخ زايد.
وأضاف بنشقرون الذي تتبع خطوات رجاء بلمليح في عالم الفن منذ البداية إن الراحلة كانت منبعا للأخلاق والوفاء ولم تؤثر عليها الشهرة، مؤكدا أنها ظلت منذ عرفها الإنسانة البسيطة التي تتعامل بتواضع كبير مع الآخرين،'لقد كانت إنسانة معتدلة في كل شيء، تعطي لكل شيء حقه من اهتمامها ووقتها، إنها إنسانة عاطفية ومتعففة' .
وأشار بنشقرون أن المغرب والعالم العربي فقد بوفاة رجاء بلمليح فنانة وإنسانة وصديقة في الوقت نفسه، موضحا أنها كانت مثالا للفنان الملتزم الذي يحترم فنه وجمهوره، موضحا أن الراحلة شملها جلالة الملك محمد السادس برعايته.
وعبرت الفنانة نعيمة سميح عن ألمها الكبير برحيل رجاء بلمليح، التي قالت عنها إنها كانت بمثابة الأخت والإبنة وأنهما كانت تربطهما علاقة متميزة ونبيلة، موضحة أن الراحلة كانت تزورها باستمرار، مثلها في ذلك مثل الفنانة ماجدة عبد الوهاب، التي رحلت هي الأخرى في عز شبابها.
وقالت نعيمة سميح إن رحيل رجاء بلمليح خسارة للأغنية المغربية والعربية وتصدر خبر رحيل رجاء بلمليح مختلف المواقع الالكترونية أمس، التي نعت الراحلة مستعرضة مختلف جوانب رحلتها الفنية وكذا صراعها مع المرض.
ونقلت المصادر ذاتها مقتطفات من بعض الحوارات السابقة للراحلة التي تتحدث فيها عن معاناتها مع المرض وقوة إيمانها في تحمل الآلام وتشبثها بالحياة.
لقد دخلت الراحلة رجاء بلمليح قلوب عشاق الطرب الأصيل، فهي مثال الفنان المثقف الواعي بالظروف المحيطة به وبالانشغالات الكبرى، لقد تغنت رجاء بالقضية الفلسطينية من خلال شعر سميح القاسم كما تغنت بالعديد من الأشعار لشعراء كبار ولكتاب كلمات على مستوى الوطن العربي، ورغم دخولها مجال الفيديو كليب، إلا أنها ظلت ملتزمة بقناعتها بضرورة أن يدقق الفنان في اختيار طريقة تصوير أغانيه بالشكل الذي تكون فيه قريبة من تقاليد وخصوصية المجتمع العربي.